
تتحول هواية الصيد بالصقور في منطقة المدينة المنورة مع حلول شهر أكتوبر إلى موسم حيوي يترقبه الهواة بشغف حيث يمثل هذا الفن أحد أقدم الموروثات العربية الأصيلة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالبيئة الصحراوية والحياة البرية والتي انتقلت من كونها وسيلة ضرورية للصيد والمعيشة قديما إلى هواية تراثية تحظى باهتمام رسمي وتنظيم متكامل في المملكة.
تنتشر ممارسة تربية الصقور على نطاق واسع في محافظات المدينة المنورة ومناطقها الريفية خاصة في الجهتين الشمالية والشرقية حيث يقبل الأهالي على اقتناء هذه الطيور الجارحة وتدريبها على فنون القنص وفق أساليب دقيقة متوارثة عبر الأجيال تبدأ العملية بانتقاء الصقر المناسب ثم تخضع لفترة تدريب مكثفة تعرف محليا باسم التدهيل لتصل بعدها إلى مرحلة المشاركة الفعلية في رحلات الصيد الموسمية.
يؤكد زيد بن محمد الحربي وهو من المهتمين بهذه الهواية أن شهر أكتوبر هو الموسم الرئيسي لانطلاق رحلات الصيد حيث يتجمع الصقارون لممارسة شغفهم بالتزامن مع عبور أسراب الطيور المهاجرة مثل الشواهين أجواء المنطقة فيصبح الموسم فرصة للرزق والتربية والتسلية في آن واحد مع الالتزام الكامل باللوائح البيئية المنظمة لعمليات الصيد.
وتشتهر مناطق الساحل الغربي للمملكة بوجود مواقع محددة ومعروفة لهواة المقناص ومن أبرز هذه المواقع الشعلان والحنو والرايس والمعجز والشعيبه والمستورة والخرار والمجيرمة وتعتبر منطقة المجيرمة تحديدا من أفضل الوجهات التي يقصدها الصقارون لممارسة الصيد نظرا لطبيعتها الجغرافية المناسبة.
يولي الصقارون في المدينة المنورة اهتماما بالغا بصحة صقورهم وتغذيتها ويستخدمون في رحلاتهم أدوات تقليدية موروثة تشمل البرقع الذي يغطي رأس الطائر لتهدئته والسبوق وهو قيد يربط في ساقه والملواح لجذبه وتدريبه كما يعتمدون على الطرادات والمخادج لمراقبة الطرائد التي لا يتمكن الصقر من اصطيادها مباشرة وغالبا ما تمتد رحلة الصيد من الصباح الباكر حتى حلول الليل لضمان نجاحها.
على مدى أكثر من أربعين عاما عمل خبراء الصيد على نقل معارفهم وتجاربهم الغنية إلى الأجيال الجديدة مؤكدين على أهمية ممارسة هذه الهواية بأسلوب مسؤول وممتع مع التركيز على الجانب التعليمي أولا وتلعب الأندية المتخصصة دورا محوريا في تدريب الشباب ودعمهم لمواصلة هذا الإرث العريق.
تشهد المدينة المنورة مشاركة فاعلة للصقارين في المهرجانات والفعاليات التراثية التي تنظمها الجهات الرسمية بهدف توثيق الإرث الوطني ونقله للأجيال القادمة وتتوازى هذه المشاركات مع الجهود الوطنية الرامية إلى حماية الحياة الفطرية وضمان استدامة التنوع البيئي.
لم يعد صيد الصقور وتربيتها في المدينة المنورة مجرد هواية تقليدية بل أصبح جزءا لا يتجزأ من مشروع وطني شامل لتعزيز التراث والهوية الثقافية ودعم السياحة التراثية في المنطقة وتعمل المملكة من خلال نادي الصقور السعودي واللوائح المنظمة على تقنين تربية الصقور وصيدها وتصديرها بما يتوافق مع المعاهدات الدولية الخاصة بحماية الأنواع المهددة بالانقراض.