تؤكد التعاليم السماوية على مبدأ جوهري يتمثل في النهي القاطع عن نشر الفساد في الأرض والحفاظ على حالة الصلاح والنظام التي خلقت عليها. ويأتي هذا التوجيه كدعوة صريحة للإنسان ليكون عنصرا فاعلا في البناء والإعمار وتجنب كل ما من شأنه أن يقوض استقرار المجتمعات ويعكر صفو الحياة.
وقد تم تحديد عقوبات صارمة لمن يتجاوز مجرد الإفساد إلى محاربة الله ورسوله عبر السعي المنظم لنشر الخراب والدمار في الأرض. وتعتبر هذه الأفعال بمثابة إعلان حرب على النظام الإلهي والمجتمعي وتستوجب جزاء رادعا يتناسب مع حجم الجريمة المرتكبة. وتشمل هذه العقوبات التي ورد ذكرها القتل والصلب وبتر الأطراف والنفي من الأرض وهي جزاءات استثنائية لمن يهددون أمن المجتمع بأسره ويشكلون خطرا على استقراره.
ويبرز النص الديني أن الإفساد ليس مجرد فعل منهي عنه بل هو سلوك يبغضه الله بشدة. فالله لا يحب الفساد كفعل ولا يرضى عن المفسدين كفاعلين وهو ما يضفي على هذا النهي بعدا عقديا عميقا يتجاوز مجرد كونه تشريعا اجتماعيا. إن السعي في الأرض بالفساد يعد خروجا عن المسار الذي أراده الخالق لعباده وهو مسار الصلاح والخير.
يشمل مفهوم الإفساد في الأرض دائرة واسعة من الأفعال التي تضر بالبشر والبيئة على حد سواء فهو لا يقتصر على شكل محدد بل يتعدى ذلك ليشمل الظلم الاجتماعي ونشر الفوضى وتدمير الموارد الطبيعية وكل ما يعطل مسيرة الحياة السليمة بعد أن هيأها الله للإصلاح والاستقامة.
